عندما تتصفح مواقع الأنترنيت وتطالع تعليقات الأشخاص الذين يقرؤون الأخبار والمقالات، ستجد أن الأحقاد تتطاير من أسطر كلماتهم وهم يحاولون التعبير عن آرائهم حول مختلف القضايا والأمور المتعلقة بهذه الجماعة أو تلك وبحق هذه الأمة أو تلك وبحق أتباع هذا المذهب أو ذاك. ولا تجد فيما يسطره أولئك المتصفحون شيئاً من العقلانية والمنطق، ذلك أن الحقد سيطر على قلوبهم وألغى جميع نوافذ الأخلاق واحترام مشاعر الآخرين وآرائهم، فهم يجيبون على رسالة حق بالسباب والشتائم، ولاشك أن منبع هذا السلوك يعود إلى نهج التكفير والإلغاء الذي زيّن للبعض سوء أخلاقه وانحراف وشذوذ فكره.
وقد تحدث الأئمة الأطهار (صلوات الله عليه عليهم) عن الحقد وكيف أنه يصيب صاحبه، ويجعله أصمّاً عن سماع كلمة الحق وبكماً عن القول به، لأن كل ما يشغله هو التفكير بالانتقام من الآخر والاساءة إليه بشتى الطرق والوسائل.
كنت أريد الانصراف عن الكتابة في هذا الموضوع لأنه قد لايكون من الموضوعات التي تشغل إهتمام القارئ، لكني إكتشفت انه من الموضوعات الهامة التي ترتبط بمصائر الناس، لأن جميع أعمال القتل والارهاب التي تحدث في العراق هي نتيجة الاحقاد الكامنة في قلوب البعض ممن لم يهتدوا الطريق، فهم حتى وإن نفذوا أعمالهم الاجرامية بمسميات جميلة مثل (المقاومة)، لكنهم لايستطيعون أن يخفوا ما بأنفسهم من أحقاد وأمراض نفسية سوداء تعشعش في قلوبهم وعقولهم، فهم إذا استطاعوا تبرير قتل المسؤولين الحكوميين و رجال الأمن، إلا إنهم لن يستطيعوا تبرير قتل المدنيين الأبرياء في الأسواق والشوارع والمساجد.
لايمكن تبرير الأعمال الاجرامية هذه بأشياء معقولة، بل يمكن تفسيرها من أنها نابعة من نفسيات حاقدة ومريضة لاتريد إلا الانتقام من هذا الشعب المظلوم والممتحن.
لقد صنّف الأئمة (صلوات الله عليه عليهم) الحقد من الرذائل التي تقود إلى الفتنة، وقد شهدنا ما حدث في العراق من أعمال قتل همجي حدث في هذا البلد نتيجة تراكم الأحقاد وتحولها إلى سلاح طائفي لقتل الناس بشكل وحشي.
وقد تحدث الإمام علي (عليه السلام) عن مسيرة الحقد ومنشأه، حيث قال: (الحقد مثار الغضب)، ففي المرحلة الأولى تتولد لدى الافراد تصورات خاطئة ينشئ منها الحقد، وبعد ذلك يتحول الحقد إلى غضب والغضب يتم التعبير عنه بوسائل غير شرعية وغير عقلانية تؤدي إلى الفتنة.
وحول إرتباط الحقد بالفتن قال الإمام علي (عليه السلام): (سبب الفتن الحقد)، و ربما الكثير من المؤلفين كتبوا عن الفتنة التي حدثت مؤخراً بين السنة والشيعة في العراق وكل واحد من هؤلاء قدم دلائل كثيرة ومختلفة لتلك الفتنة، بيد أن الإمام علي (عليه السلام) قدم تفسيراً صادقاً لتلك الفتنة حيث أرجع اسبابها للأحقاد الكامنة في النفوس والتي عبرت عن نفسها بهذه الطريقة التي رأيناها.
لكننا نسمع في بعض الأحيان عبارة عن (الحقد المقدس) وذلك لتبرير بعض حالات الحقد التي يفسرها الإنسان بأنها مقدسة فهل هناك (حقد مقدس) ؟!
الإمام علي (عليه السلام) يجيب عن هذا التساؤل ويقول: بأن الحقد شرٌ كله في حديثه الشريف: (سلاح الشر الحقد)، فإذا تخيلنا الشر رجلاً، فان سلاح هذا الرجل في الحرب هو الحقد، ولاشك أن الشر في هذا الحديث هو الشيطان الذي يؤلب النفوس والقلوب ويزرع الأحقاد في القلوب ليتخذ منها مرتعاً لوساوسه ومكره، فهو يستطيع أن يسيطر ويتحكم بهذه الساحة حتى يحولها إلى ساحة للحرب والقتال.
ولم يدع الإمام علي عليه السلام مجالاً لتفسير آخر للحقد حيث عده من طباع الأشرار وقال (الحقد من طباع الأشرار) وقد كشف الامام (عليه السلام) خطورة هذا الطبع انه لايبرد إلا بالنار، بمعنى انه لا علاج له إلا الموت، فنتيجة للحقد يدخل المرء في معارك لإرضاء النزعة العنفوانية في داخله، ويكون ضحية لها، فإما هو يموت في هذا الطريق أو يحقق النصر في معركته من خلال التضحية بالأبرياء من النساء أو الاطفال، وفي هذا قال الإمام علي (عليه السلام): (الحقد نار كامنة لايطفيها إلاموت أو ظفر).
من هنا نستطيع أن نفهم تصرفات الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم وسط الناس، فهؤلاء في الواقع يريدون أن يطفئوا نار الحقد الذي في داخلهم بهذه الطريقة، بمعنى أنهم يستقبلون الموت برحابة صدر بشرط أن يؤدي قتلهم إلى قتل أولئك الذين يحقدون عليهم.
ولاشك أن الوهابية ناجحة في زرع الكراهية والحقد في قلوب أتباعهم حتى يستفيدوا منهم بأفضل ما يمكن، وإذا عدنا إلى (الأنترنت) سنجد أن الكلمات البذيئة والسوقية تطفح من ألسنتهم وأدمغتهم على صفحات المواقع، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على خواء الفكر والحقد الدفين اللذين تربوا عليهما من قبل قادتهم الذين إتخذوا منهم مطايا لغاياتهم التافهة.
وربما يظن البعض انه يحب العمل على اصلاح هؤلاء الأفراد بينما يصف الإمام علي (عليه السلام) قلوب هؤلاء بأسوأ وصف فهو يصف قلوبهم بأنها أشد غلاً، وأن عشرتهم أسوأ عشرة، وأنه لايمكن عقد الأخوة معهم فقال (عليه السلام) في جملة من الأحاديث في هذا الخصوص: (أشد القلوب غلاً، قلب الحقود)، (بئس العشير الحقود)، (ليس لحقود أخوة)، (لامودة لحقود).
ومن جانبنا فإن الإمام علي (عليه السلام) يوصينا بأن لانعطي الحاقدين المبرر لكي يصبّوا جامّ حقدهم علينا، بالمقابل علينا أن نقدم مواقفنا وعقائدنا بشكل عقلي ومنطقي بحيث نفقدهم حجتهم في أية محاولة للنيل منّا او تبرير أي عمل اجرامي حاقد ضدنا.
أتمنى ما يكون في حقد في منتدانا